سورة الحاقة - تفسير تفسير الزمخشري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الحاقة)


        


{خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ (32) إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ (33) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (34) فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ (35) وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ (36) لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ (37)}
{ثُمَّ الجحيم صَلُّوهُ (31)} ثم لا تصلوه إلا الجحيم، وهي النار العظمى، لأنه كان سلطاناً يتعظم على الناس. يقال: صلى النار وصلاه النار. سلكه في السلسلة: أن تلوى على جسده حتى تلتف عليه أثناؤها؛ وهو فيما بينها مرهق مضيق عليه لا يقدر على حركة؛ وجعلها سبعين ذراعاً إرادة الوصف بالطول. كما قال: {إن تستغفر لهم سبعين مرة} [التوبة: 80]، يريد: مرات كثيرة، لأنها إذا طالت كان الإرهاق أشد. والمعنى في تقديم السلسلة على السلك: مثله في تقديم الجحيم على التصلية. أي: لا تسلكوه إلا في هذه السلسلة، كأنها أفظع من سائر مواضع الإرهاق في الجحيم. ومعنى {ثُمَّ} الدلالة على تفاوت ما بين الغل والتصلية بالجحيم، وما بينها وبين السلك في السلسلة، لا على تراخي المدة (إنه) تعليل على طريق الاستئناف، وهو أبلغ؛ كأنه قيل: ما له يعذب هذا العذاب الشديد؟ فأجيب بذلك. وفي قوله: {وَلاَ يَحُضُّ على طَعَامِ المسكين (34)} دليلان قويان على عظم الجرم في حرمان المسكين، أحدهما: عطفه على الكفر، وجعله قرينة له.
والثاني: ذكر الحض دون الفعل، ليعلم أنّ تارك الحض بهذه المنزلة، فكيف بتارك الفعل، وما أحسن قول القائل:
إذَا نَزَلَ الأضْيَافُ كَانَ عَذَوَّرا *** عَلَى الْحَىِّ حَتَّى تَسْتَقِلَّ مَرَاجِلُهْ
يريد حضهم على القرى واستعجلهم وتشاكس عليهم.
وعن أبي الدرداء أنه كان يحض امرأته على تكثير المرق لأجل المساكين، وكان يقول: خلعنا نصف السلسلة بالإيمان، أفلا نخلع نصفها الآخر؟ وقيل: هو منع الكفار. وقولهم: {أَنُطْعِمُ مَن لَّوْ يَشَاء الله أَطْعَمَهُ} [يس: 47] والمعنى على بذل طعام المسكين {حَمِيمٌ} قريب يدفع عنه ويحزن عليه، لأنهم يتحامونه ويفرون منه، كقوله: {وَلاَ يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً} [المعارج: 10]، والغسلين: غسالة أهل النار وما يسيل من أبدانهم من الصديد والدم؛ فعلين من الغسل {الخاطئون} الآثمون أصحاب الخطايا. وخطئ الرجل: إذا تعمد الذنب، وهم المشركون: عن ابن عباس: وقرئ: (الخاطيون) بإبدال الهمزة ياء، والخاطون بطرحها.
وعن ابن عباس: ما الخاطون؟ كلنا نخطو، وروى عنه أبو الأسود الدؤلي: ما الخاطون؟ إنما هو الخاطئون؛ ما الصابون؟ إنما هو الصابئون: ويجوز أن يراد: الذين يتخطون الحق إلى الباطل، ويتعدوّن حدود اللَّه.


{فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ (39) إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (43)}
هو إقسام بالأشياء كلها على الشمول والإحاطة، لأنها لا تخرج من قسمين: مبصر وغير مبصر. وقيل: الدنيا والآخرة، والأجسام والأرواح، والإنس والجنّ، والخلق والخالق، والنعم الظاهرة والباطنة، إن هذا القرآن {لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ} أي يقوله ويتكلم به على وجه الرسالة من عند اللَّه {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ} ولا كاهن كما تدعون والقلة في معنى العدم. أي: لا تؤمنون ولا تذكرون ألبتة. والمعنى: ما أكفركم وما أغفلكم {تَنزِيلٌ} أي: هو تنزيل. بياناً لأنه قول رسول نزل عليه {مِن رَّبِّ العالمين} وقرأ أبو السمال: تنزيلاً، أي نزل تنزيلاً.
وقيل الرسول الكريم جبريل عليه السلام. وقوله: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ} دليل على أنه محمد صلى الله عليه وسلم: لأنّ المعنى على إثبات أنه رسول، لا شاعر ولا كاهن.


{وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (48) وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ (49) وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكَافِرِينَ (50) وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (52)}
التقوّل: افتعال القول، لأن فيه تكلفاً من المفتعل، وسمى الأقوال المتقولة (أقاويل) تصغيراً بها وتحقيراً، كقولك: الأعاجيب والأضاحيك، كأنها جمع أفعولة من القول والمعنى: ولو ادعى علينا شيئاً لم نقله لقتلناه صبراً، كما يفعل الملوك بمن يتكذب عليهم معاجلة بالسخط والانتقام، فصوّر قتل الصبر بصورته ليكون أهول: وهو أن يؤخذ بيده وتضرب رقبته. وخص اليمين عن اليسار لأن القتال إذا أراد أن يوقع الضرب في قفاه أخذ بيساره، وإذا أراد أن يوقعه في جيده وأن يكفحه بالسيف، وهو أشد على المصبور لنظره إلى السيف أخذ بيمينه ومعنى {لأَخَذْنَا مِنْهُ باليمين (45)} لأخذنا بيمينه، كما أن قوله {لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوتين} لقطعنا وتينه، وهذا بيّن، والوتين: نياط القلب وهو حبل الوريد: إذا قطع مات صاحبه. وقرئ: {ولو تقوّل} على البناء للمفعول قيل {حاجزين} في وصف أحد؛ لأنه في معنى الجماعة، وهو اسم يقع في النفي العام مستوياً فيه الواحد والجمع والمذكر والمؤنث. ومنه قوله تعالى: {اَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ} [البقرة: 285]، {لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مّنَ النساء} [الأحزاب: 32]، والضمير في عنه للقتل، أي: لا يقدر أحد منكم أن يحجزه عن ذلك ويدفعه عنه. أو لرسول الله، أي: لا تقدرون أن تحجزوا عنه القاتل وتحولوا بينه وبينه؛ والخطاب للناس، وكذلك في قوله تعالى: {وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُم مُّكَذّبِينَ} وهو إيعاد على التكذيب.
وقيل الخطاب للمسلمين. والمعنى: أن منهم ناساً سيكفرون بالقرآن {وَإِنَّهُ} الضمير للقرآن {لَحَسْرَةٌ} على الكافرين به المكذبين له إذا رأوا ثواب المصدقين به. أو للتكذيب، وأن القرآن اليقين حق اليقين، كقولك: هو العالم حق العالم، وجدّ العالم. والمعنى: لعين اليقين، ومحض اليقين {فَسَبِّحْ} اللَّه بذكر اسمه العظيم وهو قوله: سبحان اللَّه؛ وأعبده شكراً على ما أهلك له من إيحائه إليك.
عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الحاقة حاسبه الله حساباً يسيراً».

1 | 2 | 3